|
|
القرويين
إذا كانت أول مدرسة اختُطت بالشمال الإفريقي قد نشأت في القيروان بتونس، فقد تبع ذلك بعد قليل بناء أكبر جامع بشمال إفريقيا، وهو جامع القرويين الذي يرجع بناؤه إلى عهد أول دولة إسلامية أسست بالمغرب، وهي مملكة الأدارسة التي اتخذت مدينة فاس عاصمة لها .
ويذكر المؤرخون أن هذه المدينة التاريخية قد عرفت في ذلك العهد نزوح وهجرة
بضعة آلاف من عرب القيروان، حيث عمل أميرها على إسكانهم بالضفة الشرقية من
وادي فاس، وسماها عدوة القيروانيين، ولكثرة الاستعمال خُففت فأصبحت
القرويين، لكن الحاجة سرعان ما دفعت إلى ضرورة بناء مسجد كبير يقيم فيه
سكان الحي الناشئ صلواتهم، فقيض الله لذلك امرأة من نساء القيروانين
المهاجرين هي السيدة فاطمة الفهرية (أم البنين)، حيث وهبت كل ما ورثته من
أموال في بناء المسجد الذي تم الشروع فيه عام
245
هـ، وكان كلما كثر عدد سكان عدوة القرويين سارع المحسنون من أتقياء القوم
إلى توسيع المسجد والإنفاق في سبيل إصلاحه وترميمه. وبعد نحو قرن من تأسيسه
أصبح جامع القرويين في حاجة إلى توسعة كبرى، فأضاف الأمراء الزناتيون
بإسهام من الأمويين الأندلسيين نحوًا من ثلاثة آلاف متر مربع إلى المسجد
القديم ، ثم زاد المرابطون فيما بعد مساحة أخرى ، فأصبح بذلك يتسع للآلاف
من المصلين. وتعتبر الصومعة المربعة الواسعة التي لا تزال قائمة إلى اليوم من بناء أحد الأمراء الزناتيين الذي كان عاملا لعبد الرحمن الناصر الأموي الأندلسي على بلاد العدوة ، وهي تعد بحق أقدم منارة مربعة ثبتت في الغرب الإسلامي .
وفي عهد المرابطين أضيفت زيادات معمارية وعمرانية أخرى مع الاحتفاظ
بالخصائص العامة لما كان عليه الجامع ، غير أنه إذا كان الطابع العام
للجامع قبل العصر المرابطي يتسم بالبساطة في المعمار والبناء فإنه في عهد
المرابطين كان هنالك إبداع كبير في صنع القباب ووضع الأقواس وكتابة الخطوط
والكلمات المنقوشة من آيات قرآنية وعبارات دعائية وغير ذلك ، ولعل أبرز ما
خلده المرابطون من مآثر هو صنع المنبر الذي لا يزال قائما إلى اليوم، ويعد
تحفة نادرة من التحف الإسلامية العريقة. وفي عهد الموحدين تم نصب الثريا
الكبرى التي لا تزال إلى اليوم شاهدة على الحضارة الموحدية وروعة الفن
والإبداع المغربي. إذا كانت القرويين قد عرفت زيادات معمارية وعمرانية اتَّسمت بطابع التوسعة في البناء خلال القرون الأولى، فإنها ابتداء من عهد المرابطين والموحدين قد طالها الاهتمام على مستوى التأثيث والزيادة في المرافق الضرورية، فازدانت عبر العصور اللاحقة بمختلف أنواع وأشكال الثريات والساعات الشمسية والرملية، وابتهج فناؤها بالخصة الحسناء، واكتسبت غرفا ومرافق جديدة مثل غرفة المؤقتين ومقصورة القاضي والمحراب الواسع وخزانة الكتب والمصاحف وغير ذلك . وقد زُين كل ذلك بروائع الفن المزدوج الأندلسي –المغربي الذي امتزجت فيه رقة ورشاقة الفن الأندلسي وهيبة وروعة الحِرَف المغربية. ومهما اختلف الباحثون في بداية تاريخ التعليم في جامعة القرويين فإن طبيعة تأسيسها كجامع كانت تفرض على العلماء أن يلقنوا فيه المعرفة الإسلامية والعلوم الشرعية، ولهذا وجدوا فيه أكبر منتدى تزدهر فيه حرية التفكير والتعبير.
وهكذا لم تمض فترة طويلة على إنشاء الجامع ووضع منبر خطبة الجمعة به حتى
رافق ذلك بروز حلقات ومجالس علمية محدودة تلقى من خلالها دروس علمية في شتى
العلوم والفنون، يلقيها نخبة من علماء مدينة فاس في الصباح والمساء وبين
العشاءين، الأمر الذي حول الجامع من مسجد تقام فيه الصلوات إلى مركز علمي
ذي إشعاع ما فتئ يتعاظم ويكبر لينافس بذلك المراكز العلمية الذائعة الصيت
بقرطبة وبغداد وغيرهما ، ومع مرور الزمن وتعاقب دول المغرب أصبحت أهمية
ومكانة الجامع تظهر بوضوح وأضحى الاهتمام به يقوى ويشتد، فكانت كل دولة
تسعى إلى الإسهام في تشييد صروحه وترميم جوانبه وتوسيع بناياته وتوفير كل
الوسائل الضرورية التي تتيح الفرصة لأكبر عدد من رواده من تلقي دروس العلم
والمعرفة.
|
|
Send E-mail to
TSN@The-Saudi.Net with questions or
comments about The Saudi Network. We are Looking for Business Sponsorship or Marketing Partnership |