هل سمعت أن مدينة بكاملها نحتت في الصخر؟ وهل تعلم أن هذا الصخر ليس كباقي
الصخور، وإنما هو صخر وردي فاتن أخاذ؟ قد يخطر ببالك أن هذا خيال، لكنه
حقيقة رائعة، تطل عليك بعد أن تجاوز الممر الضيق، لتروي لك حديث الأجيال
الماضية، وتحدثك عن براعة الأنباط ودقة صنعهم وكفاءتهم الفنية التي تمتد
على اتساع الوادي.
إنها مدينة البتراء، عاصمة الأنباط الذين امتدت إمبراطوريتهم التجارية إلى
حدود الفرات، وصكت النقود في مدينة دمشق، وبنت السفن في موانئ البحر
الأحمر. كان الأنباط قوما غزاة، ومع مرور الأيام صاروا دولة مسالمة، وحشدوا
الجيوش ليضمنوا السلام فوق ربوع بلادهم من عام
312
ق.م. حتى عام
106م.
وفي أيام المسيحية الأولى جاء البتراء النساك والرهبان فعاشوا في كهوفها
وصلوا في ديرها. وشيد فيها الصليبيون قلعتين.
وفي البتراء قبر هارون، شقيق النبي موسى.
وتدور بشأن البتراء كثير من الأساطير، وسمع بعضها رحالة سويسري اسمه
بوركهارت، فقرر أن يزور المدينة ويتعرف إلى حقيقتها. فتعلم اللغة العربية،
ولبس ثوب بدوي، وحمل على كتفه عنزة سوداء، وصعد في عام
1812
نحو المسجد القديم فوق قبر هارون، وقدم عنزته ضحية. وبعد رحلته هذه بدأت
أسرار البتراء تكشف للعالم... فإذا هي تحفة نادرة من الجمال والروعة..
تتماوج الألوان المتناسقة فوق صخورها وكأنها قطعة فنية رسمتها يد فنان
عظيم. فهناك الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء والبيضاء والزرقاء والسوداء،
تتشابك وتتجاوز ثم تتماوج وكأنها أمواج البحار. والحقيقة أن حركات الأرض
فيما قبل التاريخ رفعت من قاع بحر عميق، فجعلته قمة جبل صخرية.. فتوقفت
تموجات ماء البحر.. وجمدت كما هي.. وبقيت حتى يومنا هذا صخورا رملية ملونة
وكأنها لا تزال في قاع البحور!
وأشهر ما في البتراء ديرها الشهير، وخزنتها، وقبر القصر، وسمي هكذا لأن
واجهته تشبه واجهة قصور أباطرة روما..